التجارة العادلة... غير منصفة

التجارة العادلة... غير منصفة

منذ متى والقهوة تعتبر جزءًا من حياتك اليومية؟ وما هي القهوة بالنسبة لك؟ هل تعتبر رفاهية؟ ضرورة؟ أم الاثنين معًا؟ 

مهما كانت علاقتك بالقهوة، تعال نفكر معًا في قيمتها بالنسبة لك أولًا. ثم لننظر لقيمتها بالنسبة للطرف الآخر، المجتمع الذي هو خلف كوب القهوة، ليس معد القهوة، ولا الحمّاص، إنمّا المزارعون. فلننظر إلى علاقة المزارعين بمجال القهوة خلال الخمسين سنة الماضية.

مزارعو القهوة أتوا عبر أجيال من المنتجين. فارتباطهم بالتربة والقهوة ارتباط عميق. القهوة المختصة كانت بمثابة حلم يتحقق بالنسبة لبعض المزارعين. لكن هذا الحلم تحول إلى كابوس، سببه انخفاض أسعار القهوة بشكل مستمر في سوق القهوة العالمي.

 

تكلفة الإنتاج و سعر البيع

 كأي سلعة، يجب معرفة تكاليف الإنتاج للسلعة المراد المتاجرة بها، قبل احتساب أو تحديد هامش ربح للمنتج أو للمُزارع. لكن المشكلة هنا، أن على المزارع معرفة وتسجيل جميع التكاليف التي تدخل في إنتاج محاصيل القهوة، ومن ثم احتساب مجموع التكاليف بدقّة. ولابد أن نأخذ بالاعتبار، أن هناك تفاوت في جودة المحصول، فالجزء الأقل جودة لا بد أن يباع بسعر أقل من الجزء ذو الجودة الأعلى، وهذا إذا افترضنا أنّ المزارع قادرعلى متابعة تكاليفه، أو لديه المعرفة الكافية لاحتسابها.

 

سوق القهوة

قبل تحديد المشكلة الكبيرة التي يواجهها مزارعو القهوة المختصة، لا بد من أن نتعرف على سوق القهوة التجارية وآلية البيع و الشراء فيه.

أغلب محاصيل القهوة التجارية المستوردة والمصدرة لا تباع أو تشترى بأسعار تعتمد على تكلفة الإنتاج، للأسف. إنّما يعتمد السعر على ما يعرف بسوق القهوة، ال "سي- ماركت". هذا المؤشر يشبه سوق الأسهم، ففيه تتم صفقات الشراء، والمضاربة أو الرهان على أسعار القهوة بشراء أو بيع العقود الآجلة (أو العقود المستقبلية). فسعر التداول اليومي يعتمد على العرض والطلب للقهوة التجارية.

إنتاجية محاصيل القهوة التجارية (العرض) يفوق معدل الاستهلاك العالمي (الطلب). و هذا الفرق يؤدي إلى تدهور قيمة مؤشر القهوة في السوق. فللأسف، الآن ومنذ أكثر من ٣٠ سنة، يتداول سعر القهوة تحت سعر تكلفة الإنتاج. منذ ٢٠١٨، سعر كيلو القهوة لم يتجاوز ال ٨ ريال للكيلو حتى اليوم. إضافًة إلى أنّ سعر التداول لم يرتفع منذ ٥٠ سنة! في حين أن تكلفة الإنتاج في تزايد دائم. المشكلة الأكبر هي أن أسعار محاصيل القهوة المختصة مربوطة بهذا المؤشر.

 

استمرارية المزارعين

وما معنى كل ذلك؟ المزارعون لن يحققوا أي أرباح من محاصيلهم. وقد يضطر بعضهم للّجوء إلى الاقتراض أو حتى بيع مزارعهم لسداد الديون المترتبة عليهم. أما بالنسبة للمستهلك، فهذا يعني انخفاضًا في كمية محاصيل القهوة المختصة، أو حتى تدهور في جودة القهوة، لأن المزارعين غير قادرين على الاستمرار في إنتاج المحاصيل ذات الجودة التي يبحث عنها مستهلك القهوة المختصة.

إحدى محاصيلنا تأتي من مزارع إثيوبيا، و التي يرعاها المزارع فيصل يونس. عندما يبدأ موسم الحصاد، يستعين يونس بالمزارعين حول المنطقة، وغالبًا يضطرون للمجيء مع صغارهم، لذلك قام يونس ببناء فصول دراسية جديدة للمدرسة المحلية بالقرب من مصنع معالجة القهوة، حتى يتسنى للمدرسة استيعاب أطفال المزارعين و ضمان استكمال دراستهم.

تصفية بن القهوة

“التجارة العادلة” لا تكفي

عبارات مثل “التجارة العادلة” في الحقيقة هي بعيدة عن كونها تجارة منصفة. في نموذج التجارة العادلة، تحصل منظمات المزارعين إمّا على الحد الأدنى لسعر التجارة العادلة (حاليًا 1.40 دولارًا للباوند) أو على سعر السوق مضافًا عليها هامش التجارة العادلة - 0.20 دولار للباوند، أيهما أعلى. و كمرجع، يبلغ سعر السوق حاليًا 1.30 دولار للباوند الواحد.

إضافًة إلى ذلك، غالبًا إذا كانت القهوة مختومة بشهادة "التجارة العادلة"، فهذا يعني أنها تأتي من تعاونية، أي انّ المزارع الفردية المصدر غير مؤهلة للحصول على شهادة التجارة العادلة من قبل منظمة "ترانسفير" الأمريكية. التعاونية تقوم بشراء محاصيل القهوة الخضراء من مزارعين محليين مختلفين، ثم تقوم بخلط هذه المحاصيل. هذا يعني أنّه نادرًا ما تكون قهوة التجارة العادلة فردية المصدر.



سلوك الحماص و دورنا

مصطلح القهوة العضوية، التجارة العادلة، وغيرها، تتبادل بكثرة بيننا وبين المقاهي وملّاكها، لكن دون التحقق من الأثر السلبي الذي تتركه هذه الممارسات. فيتم المشاركة فيها دون مقياس، ودون متابعة للنتائج الحاصلة. لابد أن يكون الغرض منها متجاوزًا زيادة المدفوعات لمزارعي البن إلى تقدير الكفاءة ورفع الجودة. حينها يكون للثمن مردود أكبر على كافة مراحل الإمداد والصناعة في عالم القهوة.

 

ارتفاع أسعار القهوة مستقبلًا أمر محتوم، لا مفر منه. فهذا حل أساسي لاستمرارية المزارعين في إنتاج القهوة المختصة ذات الجودة العالية. و لكن علينا أولًا أن ندعم هذا النموذج ( نموذج الاستدامة). 

اسأل الباريستا، أو العامل بالمقهى الذي تزوره عن سوق القهوة  وهل يدفعون أسعارًا تفوق أسعار هذا السوق؟ فدعم المقاهي والمحامص للقهوة المختصة التي تتعامل مع موردين يدفعون أسعارًا تفوق أسعار سوق القهوة هي أول خطوة للحرص على استدامة القهوة المختصة ذات الجودة عالية.

ميراكي ارتيزان بار

في ميراكي، ندعم نموذج عمل أفضل من التجارة العادلة؛ والذي يضع بالاعتبار الكفاءة والجودة. لذلك نحن ندفع لأجل هذه القيمة أسعارًا أكثر ارتفاعًا للمزارعين مما يُدفع في صفقات التجارة العادلة! فلا ندفع أبدًا أقل من 1.80 دولار للباوند الواحد، ونادرًا ما ندفع هذا السعر المنخفض.

هذا التقدير يتجاوز مجرد التعاطف مع المزارعين حول العالم، إلى أن نكون داعمين لهم، بما ينعكس بالمصلحة على الجميع، ويرفع جودة كوب قهوتك، مع ضمان استمرارية ذلك، دون أن نستبعد ما للتجارة العادلة من أخلاقيات مهمة، نتشارك ذات القيم معهم.


كتابة: محمد شطا
تحرير: علياء القسّام




العودة إلى المدونة